كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم همُّوا بالخصاء، وترك اللحم والنساء، فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة، أن عثمان بن مظعون في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال الآخر: لا أنام على فراش، وقال الآخر: لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أصوم ولا أفطر، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} قال: كانوا حرموا الطيب واللحم، فأنزل الله هذا فيهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن أبي قلابة قال «أراد أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا، ويتركوا النساء ويترهَّبوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقاتلة، ثم قال: إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم. قال: ونزلت فيهم {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...} الآية».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} قال: نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يتخلوا من الدنيا ويتركوا النساء وتزهَّدوا، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...} الآية. قال ذكر لنا أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رفضوا النساء واللحم، وأرادوا أن يتخذوا الصوامع، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس في ديني ترك النساء واللحم، ولا اتخاذ الصوامع، وخبرنا أن ثلاثة نفر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا فقال أحدهم أما أنا فأقوم الليل لا أنام، وقال أحدهم: أما أنا فأصوم النهار فلا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فلا آتي النساء، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ألم أنبأ إنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلا الخير. قال: لكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، وكان في بعض القراءة في الحرف الأول: من رغب عن سنتك فليس من أمتك، وقد ضل سواء السبيل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي عبد الرحمن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانًا».
وأخرج ابن أبي جرير عن السدي قال «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يومًا فذكر الناس، ثم قام ولم يزدهم على التخويف، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة، منهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون: ما حقنا أن لم نحدث عملًا، فإن النصارى قد حرَّموا على أنفسهم فنحن نحرم، فحرم بعضهم أكل اللحم والودك وأن يأكل منها، وحرم بعضهم النوم، وحرم بعضهم النساء، فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء، وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه، فأتت امرأته عائشة- وكان يقال لها الحولاء- فقالت لها عائشة ومن حولها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون لا تمتشطين ولا تتطيبين؟! فقالت: وكيف أتطيب وأمتشط وما وقع عليَّ زوجي ولا رفع عني ثوبًا منذ كذا وكذا، فجعلن يضحكن من كلامها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن، فقال: ما يضحككن؟ قالت: يا رسول الله، الحولاء سألتها عن أمرها فقالت: ما رفع عني زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا، فأرسل إليه فدعاه فقال: ما بالك يا عثمان؟، قال: إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة، وقصَّ عليه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك، فقال: يا رسول الله إني صائم! قال: أفطر. قال: فأفطر وأتى أهله، فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيبت، فضحكت عائشة فقالت: مالك يا حولاء؟ فقالت: أنه أتاها أمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم، ألا اني أنام وأقوم، وأفطر وأصوم، وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} يقول لعثمان: لا تجب نفسك، فإن هذا هو الاعتداء، وأمرهم أن يكفروا أيمانهم فقال: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [المائدة: 89] الآية».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون، وعبد الله بن عمرو، أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} والآية التي بعدها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة. «أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وقدامة، تبتلوا فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس السياحة من بني إسرائيل، وهمُّوا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل، وصيام النهار، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...} الآية. فلما نزلت بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لأنفسكم حقًا، ولأعينكم حقًا، وإن لأهلكم حقًا، فصلوا وناموا وأفطروا، فليس منا من ترك سنتنا. فقالوا: اللهم صدقنا واتبعنا ما أنزلت على الرسول».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال «إن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عثمان بن مظعون حرموا اللحم والنساء على أنفسهم، وأخذوا الشفار ليقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشهوة عنهم ويتفرغوا لعبادة ربهم، فأُخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردتم؟ قالوا: أَردنا أن نقطع الشهوة عنا، ونتفرغ لعبادة ربنا، ونلهو عن الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أؤمر بذلك، ولكني أُمِرْتُ في ديني أن أتزوج النساء، فقالوا: نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} إلى قوله: {واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} فقالوا: يا رسول الله، فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89]».
وأخرج ابن مردويه عن الحسن العرني قال: كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...} الآية.
وأخرج أبو الشيخ من طريق ابن جريج عن المغيرة بن عثمان قال «كان عثمان بن مظعون، وعلي، وابن مسعود، والمقداد، وعمار، أرادوا الاختصاء، وتحريم اللحم، ولبس المسوح في أصحاب لهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون، فسأله عن ذلك، فقال: قد كان بعض ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكح النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وألبس الثياب، لم آتِ بالتبتل ولا بالرهبانية، ولكن جئت بالحنيفية السمحة، ومن رغب عن سنتي فليس مني»، قال ابن جريج: فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم «أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارًا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي. فقالت امرأته: هو عليَّ حرام. قال الضيف: هو علي حرام، فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا بسم الله، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أصبت، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} إلى ما حرم الله عليكم.
وأخرج عبد بن حميد عن المغيرة قال: قلت: لإبراهيم في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} هو الرجل يحرم الشيء مما أحل الله؟ قال: نعم.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في الآية قال: هو الرجل يحلف لا يصل أهله، أو يحرِّم عليه بعض ما أحل الله له، فيأتيه ويكفر عن يمينه.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طرق عن ابن مسعود. أن معقل بن مقرن قال له: إني حرمت فراشي عليَّ سنة. فقال: نم على فراشك وكفِّر عن يمينك، ثم تلا {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...} إلى آخر الآية.
وأخرج البخاري والترمذي والدار قطني عن أبي جحيفة قال «آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك...؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كل فإني صائم قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نم، فنام ثم ذهب يقوم فقال: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا فقال له سلمان: أن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: صدق سلمان».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا، وأن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإذن ذلك صيام الدهر كله. قلت: إني أجد قوة. قال: فصم صيام نبي الله داود لا تزد عليه. قلت: وما كان صيام نبي الله داود؟ قال: نصف الدهر».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب «أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، لما تبتلوا وجلسوا في البيوت، واعتزلوا وهمُّوا بالخصاء، وأجمعوا على قيام الليل وصيام النهار فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم فقال: أما أنا فاني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
وأخرج عبد الرزاق والطبراني عن عائشة قالت «دخلت امرأة عثمان بن مظعون واسمها خولة بنت حكيم عليَّ، وهي باذة الهيئة فسألتها ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان، إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك فيَّ أسوة؟ فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا».
وأخرج عبد الرزاق عن أبي قلابة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من: تبتل فليس منا».
وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب «أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس لك فيَّ أسوة؟ فأني آتي النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى».
وأخرج ابن سعد عن أبي بردة قال «دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك؟ فقالت: ما لنا منه شيء، أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرن ذلك له، فلقيه فقال يا عثمان بن مظعون، أما لك فيَّ أسوة؟ قال: وما ذاك؟ قال: تصوم النهار وتقوم الليل. قال: إني لأفعل. قال: لا تفعل، إن لعينك عليك حقًا، وإن لجسدك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، فصل ونم، وصم وأفطر، قال: فاتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس».